أخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي
الذكاء الاصطناعي كأي تقنية أخرى يحمل في طياته إمكانات كبيرة لتحقيق الخير أو الضرر مما يستدعي وضع قواعد وضوابط تضمن استخدامه بما يخدم الجميع، وتُعرف هذه القواعد والضوابط بـ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي، وتعتمد تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي على تحليل البيانات المتاحة مما يعني أن مخرجاتها تعتمد على جودة وتنوع تلك البيانات.
وإذا كانت هذه البيانات غير شاملة أو متحيزة فإن النتائج التي تقدمها ستكون كذلك، لذلك من الضروري مراقبة وتحسين جودة البيانات المستخدمة لضمان نتائج دقيقة وموثوقة.
إحدى التحديات التي يواجهها الذكاء الاصطناعي هو أنه غالبًا ما يقدم نتائج دون القدرة على تفسير الطريقة التي تم بها الوصول إلى هذه النتائج، وفي سياقات معينة مثل تبرير رفض طلب ائتمان أو اتهام شخص بخرق قانوني فإن الاعتماد فقط على نتائج الذكاء الاصطناعي دون تفسير واضح قد يكون غير كافٍ ومثير للجدل.
ومن أمثلة التحديات الأخرى ظهور تقنيات التزييف العميق (DeepFake) التي تستخدم لإنشاء صور وفيديوهات مزيفة تبدو واقعية للغاية مما يعقّد القدرة على التمييز بين الحقيقي والمزيف وقد يوقع الناس في مشكلات كبيرة.
وتشريعات مثل اللائحة العامة لحماية البيانات (GDPR) في الاتحاد الأوروبي تفرض قيودًا على نوعية البيانات التي يمكن للشركات استخدامها مما يشكل تحديًا إضافيًا لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى ذلك تشكل قضايا حقوق الملكية الفكرية عائقًا آخر حيث يمكن للذكاء الاصطناعي محاكاة أساليب فنية أو موسيقية بطريقة قد تنتهك حقوق المبدعين الأصليين.
الاستخدامات الضارة لتقنيات الذكاء الاصطناعي تثير أيضًا القلق مثل استخدامها من قبل القراصنة لاكتشاف الثغرات في الأنظمة الإلكترونية واختراقها مما يعرض البيانات للخطر ويهدد الأمن السيبراني.

نظرة «مايكروسوفت»
تعتبر مايكروسوفت أن الذكاء الاصطناعي يمثل تحولًا جوهريًا يمكنه معالجة التحديات الاقتصادية المعقدة وتحقيق نقلة نوعية في العديد من القطاعات، فمن خلال تحسين أداء المؤسسات وتطوير تجربة العملاء وتعزيز قدرات التنبؤ والتخطيط يمكن لهذه التكنولوجيا أن تسهم في تحسين حياة مختلف شرائح المجتمع.
ساهم الذكاء الاصطناعي في تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة من مواجهة التحديات الملحة وابتكار طرق جديدة لتحسين عملياتها، فعلى سبيل المثال يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا حاسمًا في مستقبل قطاع الطاقة، وفي المملكة العربية السعودية تتبنى وزارة الطاقة استخدام هذه التقنية لإدارة استهلاك الطاقة وتوقع احتياجاتها مما يساهم في تحسين كفاءة وأمان إدارة موارد الطاقة.
وفي إطار شراكتها مع مختبر أوبن إيه آي (OpenAI) منذ عام 2019 الذي يقف وراء تطوير تطبيقات مثل “تشات جي بي تي (ChatGPT) ودال-إي 2 (Dall-E 2) المخصص لتحويل النصوص الوصفية إلى صور أطلقت مايكروسوفت خدمة أزور أوبن إيه آي (Azure OpenAI Service) التي توفر نماذج متطورة من الذكاء الاصطناعي.
ومن بين هذه النماذج إصدار متصفح إيدج (Edge) ومحرك البحث بينغ (Bing) اللذين يعملان كمساعدين شخصيين يعتمدون على الذكاء الاصطناعي، وقد تجاوز عدد المستخدمين النشطين لهذه التقنية في بينغ حاجز 100 مليون مستخدم يوميًا بحلول مارس الماضي، بالإضافة إلى ذلك، قدمت الشركة أداة بينغ إميج كرييتور (Bing Image Creator) التي تتيح للمستخدمين إنشاء صور مبتكرة باستخدام نصوص وصفية.
كما طرحت مايكروسوفت مساعدها الذكي مايكروسوفت 365 كوبايلوت (Microsoft 365 Copilot) لمستخدمي تطبيقات مايكروسوفت المكتبية بهدف دعمهم في إنشاء المحتوى سواء كان ذلك عبر البريد الإلكتروني أو إنشاء الوثائق والعروض التقديمية أو تلخيص المحتوى وتحليل البيانات، وأيضًا تم إطلاق المرشد المساعد للنصوص البرمجية (GitHub Copilot) الذي يسهل كتابة الأكواد البرمجية عبر الأوامر الصوتية.
ويعتبر قطاع الرعاية الصحية من المجالات التي استفادت بشكل كبير من الذكاء الاصطناعي حيث أصبح من الممكن تشخيص الأمراض بشكل أسرع وفحص عدد كبير من المرضى في وقت قصير، وأسهم الذكاء الاصطناعي أيضًا في تحسين التشخيص المبكر للأمراض واكتشافها في مراحلها الأولى مما قد يساعد في الوقاية منها قبل انتشارها.
في قطاع الخدمات المالية أحدث الذكاء الاصطناعي تغييرات كبيرة من خلال استخدام روبوتات الدردشة (Chatbots) لخدمة العملاء، كما ساعد الذكاء الاصطناعي المعلمين في تخفيف العبء عنهم عبر أتمتة المهام اليدوية مثل تصحيح الامتحانات وتقييم الواجبات وضمان وصول الطلاب إلى التعليم عالي الجودة في أي وقت ومن أي مكان دون تكاليف إضافية.
تؤمن مايكروسوفت أن الجيل القادم من نماذج الذكاء الاصطناعي سيسهم في مجموعة واسعة من المهام من تلخيص المحتوى إلى إدارة المستندات وتبسيط عمليات البيع، كما تمتد استخداماته إلى تصميم جزيئات جديدة للأدوية وإنشاء نصوص أو صور أو موسيقى تحاكي الإبداع البشري، وتستخدم أكثر من 85% من الشركات المدرجة في قائمة “فورتشن 100” أدوات مايكروسوفت للذكاء الاصطناعي.
وترى مايكروسوفت أهمية كبيرة في الالتزام بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، لذلك قامت الشركة بتطوير سياسات ولوائح تتماشى مع الأطر التنظيمية لضمان الاستخدام المسؤول والأخلاقي لهذه التقنيات.

تجربة تطبيق جوجل لتقنييات الذكاء
يعتقد فريق “جوجل” أن للذكاء الاصطناعي مستقبلاً واعداً في تعزيز التطبيقات اليومية حيث يمكن لهذه التقنية أن تزيد من فعالية هذه التطبيقات على مستوى العالم سواء كان ذلك من خلال مساعدة الأطباء في تشخيص الأمراض بسرعة أكبر أو تمكين المستخدمين من الوصول إلى المعلومات بلغاتهم الأصلية مما يفتح الباب أمام الإبداع ويخلق فرصًا جديدة قادرة على تغيير حياة الملايين، لذلك كانت جوجل من أوائل الشركات التي طالبت بالالتزام بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي.
وفي تصريح لصحيفة “الشرق الأوسط” أكد فريق “جوجل” أن الذكاء الاصطناعي يمكنه التصدي للتحديات الاجتماعية الكبرى بما في ذلك التغير المناخي والتنبيه المبكر للكوارث الطبيعية مثل الفيضانات، بالإضافة إلى تسهيل الوصول إلى اكتشافات علمية جديدة وتحسين المستويات الصحية للمستخدمين.
ومن الأمثلة على كيفية تطبيق الذكاء الاصطناعي في منتجات “جوجل”:
- تمكين البحث عن المعلومات من خلال الصور أو الصوت؛ إذ يمكن للنظام تحليل الصوت والبحث عن أغنية مطابقة للحن الذي قام المستخدم بتسجيله أو تحليل صورة للعثور على عناصر مشابهة لها.
- يمكن استخدام هذه الأدوات مع النصوص المدخلة في تطبيق “جوجل”، فعلى سبيل المثال يمكن للمستخدم كتابة كلمة “ملابس” ثم تصوير ورق الجدران ليقوم محرك البحث بالعثور على ملابس تحمل نمطاً مشابهاً لذلك الموجود في الصورة.
- تحليل بيانات الخرائط لتقديم معلومات حول الازدحام المروري، ساعات عمل المتاجر، والسرعات المسموح بها على الطرق بشكل آلي.
- تحليل الصور المخزنة على جهاز المستخدم مما يسمح له بكتابة وصف لعنصر معين ليتم عرض جميع الصور التي تحتوي على ذلك العنصر.
ومع ذلك، يشير فريق “جوجل” إلى أهمية استكشاف الإمكانات الكاملة لهذه التقنية إلى جانب فهم التأثيرات الإيجابية والسلبية التي قد تتداخل مع التجربة البشرية، كما يجب أيضاً إعطاء الأولوية للاعتبارات الأخلاقية في استخدام الذكاء الاصطناعي.
وهذا هو ما ركزت عليه “جوجل” في مبادئها الخاصة بالذكاء الاصطناعي بالإضافة إلى الطرق المفصلة التي تنتهجها لتطوير هذه التقنية بمسؤولية والإجراءات الحكومية المتعلقة بتطبيقها.
كل هذه الأمور توجه مساعي “جوجل” في مجال الذكاء الاصطناعي، والجدير بالذكر أن “جوجل” أطلقت نظام “بارد” (Bard) للذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل تجريبي حيث يمكن للمستخدمين البحث عن المعلومات بطرق جديدة وغير تقليدية مقارنة بأساليب البحث التقليدية.
وترى “جوجل” أن الذكاء الاصطناعي يعد تقنية جوهرية وتحويلية تقدم العديد من الفوائد للأفراد والمجتمعات من خلال تمكينهم وإلهامهم في مختلف المجالات، كما تؤمن الشركة بضرورة توفير حلول دقيقة من خلال التعاون المشترك بين الحكومات والباحثين والمطورين والأفراد والشركات والمنظمات والهيئات التشريعية، وذلك بهدف بناء الثقة العامة في هذه التقنية بالإضافة إلى ضمان الالتزام بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي.